فصل: قال حجة الإسلام الغزالي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس {أولئك هم المؤمنون حقًا} قال: خالصًا.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {أولئك هم المؤمنون حقًا} قال: استحقوا الايمان بحق فاحقه الله لهم.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق يحيى بن الضريس عن أبي سنان قال: سئل عمرو بن مرة عن قوله: {أولئك هم المؤمنون حقًا} قال: انما نزل القرآن بلسان العرب كقولك: فلان سيد حقًا وفي القوم سادة، وفلان شاعر حقًا وفي القوم شعراء.
وأخرج أبو الشيخ عن أبي روق في قوله: {أولئك هم المؤمنون حقًا} قال: كان قوم يسرون الكفر ويظهرون الإِيمان، وقوم يسرون الايمان ويظهرونه، فأراد الله أن يميز بين هؤلاء وهؤلاء فقال: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم} حتى انتهى إلى قوله: {أولئك هم المؤمنون حقًا} الذين يسرون الايمان ويظهرونه لا هؤلاء الذين يسرون الكفر ويظهرون الايمان.
وأخرج أبو الشيخ عن عمرو بن مرة في قوله: {أولئك هم المؤمنون حقًا} قال: فضل بعضهم على بعض وكلٌ مؤمنون.
وأخرج الطبراني عن الحارث بن مالك الأنصاري. انه مر برسول الله فقال له كيف أصبحت يا حارث؟ قال: أصبحت مؤمنًا حقًا. قال: انظر ما تقول فإن لكل شيء حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟ فقال: عزفت نفسي عن الدنيا فاسهرت ليلي، واظمأت نهاري، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها. قال: «يا حارث عرفت فالزم ثلاثًا».
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {لهم درجات} يعني فضائل ورحمة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {لهم درجات عند ربهم} قال: أعمال رفيعة.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله: {لهم درجات} قال: أهل الجنة بعضهم فوق بعض، فيرى الذي هو فوق فضله على الذي هو أسفل منه، ولا يرى الذي هو أسفل أنه فضل عليه أحد.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله ومغفرة قال: بترك الذنوب {ورزق كريم} قال الأعمال الصالحة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال: إذا سمعت الله يقول: {ورزق كريم} فهي الجنة. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآيتين:

قال عليه الرحمة:
{الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)}
لا يرضَوْن في أعمالهم بإخلال، ولا يتصفون بجمْعِ مال من غير حلال، ولا يُعَرِّجون في أوطان التقصير بحال، أولئك الذين صفتهم ألا يكون للشريعة عليهم نكير، ولا لهم عن أحكام الحقيقة مقيل.
{هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقًّا} أي حققوا حقًا وصدقوا صدقًا. ويقال حق لهم ذلك حقًا. قوله: {لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ} على حسب ما أَهَّلَهُمْ له من الرُّتَبِ؛ فَبِسَابقِ قِسْمَتِه لهم استوجبوها، ثم بصادقِ خِدْمَتِهِم- حين وفَّقَهم لها- بلغوها.
ولهم مغفرةٌ في المآل، والسَّتْرُ في الحال لأكابرهم، فالمغفرة الستر، والحق سبحانه يستر مثالِبَ العاصين ولا يفضحهم لئلا يحجبوا عن مأمول أفضالهم، ويستر مناقِبَ العارفين عليهم لئلا يُعْجَبُوا بأعمالهم وأحوالهم، وفَرْقٌ بين سَتْرٍ وَسَتْرٍ، وشَتَّان ما هما!
وأَمَّا الرزق الكريم فيحتمل أنه الذي يعطيه من حيث لا يُحْتَسَبُ، ويحتمل أنه الذي لا يَنْقُصُ بإجرامهم، ويحتمل أنه ما لا يشغلهم بوجوده عن شهود الرزاق، ويحتمل أنه رزق الأسرار بما يكون استقلالها به من المكاشفات. اهـ.

.قال حجة الإسلام الغزالي:

مسألة: فإن قلت ما وجه قول السلف أنا مؤمن إن شاء الله والاستثناء شك والشك في الإيمان كفر وقد كانوا كلهم يمتنعون عن جزم الجواب بالإيمان ويحترزون عنه.
فقال سفيان الثوري رحمه الله من قال أنا مؤمن عند الله فهو من الكذابين ومن قال أنا مؤمن حقا فهو بدعة فكيف يكون كاذبا وهو يعلم أنه مؤمن في نفسه ومن كان مؤمنا في نفسه كان مؤمنا عند الله كما أن من كان طويلا وسخيا في نفسه وعلم ذلك كان كذلك عند الله وكذا من كان مسرورا أو حزينا أو سميعا أو بصيرا ولو قيل للإنسان هل أنت حيوان لم يحسن أن يقول أنا حيوان إن شاء الله.
ولما قال سفيان ذلك قيل له فماذا نقول قال قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وأي فرق بين أن يقول آمنا بالله وما أنزل إلينا وبين أن يقول أنا مؤمن وقيل للحسن أمؤمن أنت فقال إن شاء الله فقيل له لم تستثني يا أبا سعيد في الإيمان فقال أخاف أن أقول نعم فيقول الله سبحانه كذبت يا حسن فتحق علي الكلمة.
وكان يقول ما يؤمنني أن يكون الله سبحانه قد اطلع علي في بعض ما يكره فمقتني وقال اذهب لا قبلت لك عملا فأنا أعمل في غير معمل.
وقال إبراهيم بن أدهم إذا قيل لك أمؤمن أنت فقل لا إله إلا الله وقال مرة قل أنا لا أشك في الإيمان وسؤالك إياي بدعة.
وقيل لعلقمة أمؤمن أنت قال أرجو إن شاء الله.
وقال الثوري نحن مؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله وما ندري ما نحن عند الله تعالى فما معنى هذه الاستثناءات فالجواب أن هذا الاستثناء صحيح وله أربعة أوجه وجهان مستندان إلى الشك لا في أصل الإيمان ولكن في خاتمته أو كماله ووجهان لا يستندان إلى الشك.
الوجه الأول الذي لا يستند إلى معارضة الشك الاحتراز من الجزم خيفة ما فيه من تزكية النفس قال الله تعالى: {فلا تزكوا أنفسكم} وقال: {ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم} وقال تعالى: {انظر كيف يفترون على الله الكذب} وقيل لحكيم ما الصدق القبيح فقال ثناء المرء على نفسه.
والإيمان من أعلى صفات المجد والجزم تزكية مطلقة وصيغة الاستثناء كأنها ثقل من عرف التزكية كما يقال للإنسان أنت طبيب أو فقيه أو مفسر فيقول نعم إن شاء الله لا في معرض التشكيك ولكن لإخراج نفسه عن تزكية نفسه فالصيغة صيغة الترديد والتضعيف لنفس الخبر ومعناه التضعيف اللازم من لوازم الخبر وهو التزكية.
وبهذا التأويل لو سئل عن وصف ذم لم يحسن الاستثناء.
الوجه الثاني التأدب بذكر الله تعالى في كل حال وإحالة الأمور كلها إلى مشيئة الله سبحانه فقد أدب الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله} ثم لم يقتصر على ذلك فيما لا يشك فيه بل قال تعالى: {لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءؤسكم ومقصرين} وكان الله سبحانه عالما بأنهم يدخلون لا محالة وأنه شاءه ولكن المقصود تعليمه ذلك فتأدب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ما كان يخبر عنه معلوما كان أو مشكوكا حتى قال صلى الله عليه وسلم لما دخل المقابر السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون واللحوق بهم غير مشكوك فيه ولكن مقتضى الأدب ذكر الله تعالى وربط الأمور به.
وهذه الصيغة دالة عليه حتى صار بعرف الاستعمال عبارة عن إظهار الرغبة والتمني فإذا قيل لك إن فلانا يموت سريعا فتقول إن شاء الله فيفهم منه رغبتك لا تشككك وإذا قيل لك فلان سيزول مرضه ويصح فتقول إن شاء الله بمعنى الرغبة فقد صارت الكلمة معدولة عن معنى التشكيك إلى معنى الرغبة وكذلك العدول إلى معنى التأدب لذكر الله تعالى كيف كان الأمر.
الوجه الثالث مستنده الشك ومعناه أنا مؤمن حقا إن شاء الله إذ قال الله تعالى لقوم مخصوصين بأعيانهم: {أولئك هم المؤمنون حقا} فانقسموا إلى قسمين ويرجع هذا إلى الشك في كمال الإيمان لا في أصله وكل إنسان شاك في كمال إيمانه وذلك ليس بكفر والشك في كمال الإيمان حق من وجهين أحدهما من حيث إن النفاق يزيل كمال الإيمان وهو خفي لا تتحقق البراءة منه.
والثاني أنه يكمل بأعمال الطاعات ولا يدري وجودها على الكمال أما العمل فقد قال الله تعالى: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون} فيكون الشك في هذا الصدق وكذلك قال الله تعالى: {ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين} فشرط عشرين وصفا كالوفاء بالعهد والصبر على الشدائد.
ثم قال تعالى: {أولئك الذين صدقوا} وقد قال تعالى: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} وقال تعالى: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل} الآية وقد قال تعالى: {هم درجات عند الله} وقال صلى الله عليه وسلم: «الإيمان عريان ولباسه التقوى» الحديث. وقال صلى الله عليه وسلم: «الإيمان بضع وسبعون بابا أدناها إماطة الأذى عن الطريق» فهذا ما يدل على ارتباط كمال الإيمان بالأعمال وأما ارتباطه بالبراءة عن النفاق والشرك الخفي فقوله صلى الله عليه وسلم أربع من كن فيه فهو منافق خالص وإن صام وصلى وزعم أنه مؤمن من إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان وإذا خاصم فجر.
وفي بعض الروايات وإذا عاهد غدر وفي حديث أبي سعيد الخدري القلوب أربعة قلب أجرد وفيه سراج يزهر فذلك قلب المؤمن وقلب مصفح فيه إيمان ونفاق فمثل الإيمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء العذب ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها القيح والصديد فأي المادتين غلب عليه حكم له بها.
وفي لفظ آخر غلبت عليه ذهبت به وقال عليه السلام أكثر منافقي هذه الأمة قراؤها.
وفي حديث الشرك أخفى في أمتي من دبيب النمل على الصفا.
وقال حذيفة رضي الله عنه كان الرجل يتكلم بالكلمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصير بها منافقا إلى أن يموت وإني لأسمعها من أحدكم في اليوم عشر مرات.
وقال بعض العلماء أقرب الناس من النفاق من يرى أنه برئ من النفاق.
وقال حذيفة المنافقون اليوم أكثر منهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا إذ ذاك يخفونه وهم اليوم يظهرونه وهذا النفاق يضاد صدق الإيمان وكماله وهو خفي وأبعد الناس منه من يتخوفه وأقربهم منه من يرى أنه برئ منه.
فقد قيل للحسن البصري يقولون أن لا نفاق اليوم فقال يا أخي لو هلك المنافقون لاستوحشتم في الطريق.
وقال هو أو غيره لو نبتت للمنافقين أذناب ما قدرنا أن نطأ على الأرض بأقدامنا وسمع ابن عمر رضي الله عنه رجلا يتعرض للحجاج فقال أرأيت لو كان حاضرا يسمع أكنت تتكلم فيه فقال لا فقال كنا نعد هذا نفاقا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم من كان ذا لسانين في الدنيا جعله الله ذا لسانين في الآخرة وقال أيضا صلى الله عليه وسلم شر الناس ذو الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه ويأتي هؤلاء بوجه وقيل للحسن إن قوما يقولون إنا لا نخاف النفاق فقال والله لأن أكون أعلم أني بريء من النفاق أحب إلي من تلاع الأرض ذهبا.
وقال الحسن إن من النفاق اختلاف اللسان والقلب والسر والعلانية والمدخل والمخرج.
وقال رجل لحذيفة رضي الله عنه إني أخاف أن أكون منافقا فقال لو كنت منافقا ما خفت النفاق إن المنافق قد أمن النفاق.
وقال ابن أبي مليكة أدركت ثلاثين ومائة وفي رواية خمسين ومائة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخافون النفاق.
وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا في جماعة من أصحابه فذكروا رجلا وأكثروا الثناء عليه فبيناهم كذلك إذ طلع عليهم الرجل ووجهه يقطر ماء من أثر الوضوء وقد علق نعله بيده وبين عينيه أثر السجود فقالوا يا رسول الله هذا هو الرجل الذي وصفناه فقال صلى الله عليه وسلم أرى على وجهه سفعة من الشيطان فجاء الرجل حتى سلم وجلس مع القوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم نشدتك الله هل حدثت نفسك حين أشرفت على القوم أنه ليس فيهم خير منك فقال اللهم نعم فقال صلى الله عليه وسلم في دعائه اللهم إني أستغفرك لما علمت ولما لم أعلم فقيل له أتخاف يا رسول الله فقال وما يؤمنني والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء وقد قال سبحانه: {وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون}.
قيل في التفسير عملوا أعمالا ظنوا أنها حسنات فكانت في كفة السيئات.